أول شهيدة في الإسلام

عنوان المقال: أول شهيد في الإسلام

تمهيد تاريخي: الشهادة في ميزان الإسلام

يُعَدُّ الاستشهاد في سبيل الله من أعلى مراتب التضحية التي يجلّها الإسلام، وقد وعد الله بها الجنّة، وخصّها بذكر كريم في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” (آل عمران: 169). فالشهادة تمثل قمة الفداء والصبر على البلاء والثبات على العقيدة، وهي نتيجة طبيعية للصراع التاريخي بين التوحيد والوثنية، بين النور والظلمات.

وفي بداية الدعوة الإسلامية، حين كانت مكة تعجُّ بالكفر والعداوة لدين الله، وقف نفر قليل من المستضعفين يواجهون جبروت قريش بكلمة الحق، فمنهم من تعرض للتعذيب ومنهم من قتل، وكان أول من رُوِيَ أنه سقط شهيدًا في سبيل الإسلام امرأة عظيمة تُدعى سمية بنت خياط رضي الله عنها.

من هي سمية بنت خياط؟

سمية بنت خياط هي أم الصحابي الجليل عمار بن ياسر، وزوجة ياسر بن عامر، وقد دخلت هي وزوجها وابنها الإسلام في وقت مبكر من البعثة النبوية، ضمن الفئة المستضعفة من غير قبائل قريش. لم تكن سمية تنتمي إلى بيت ذي سطوة أو جاه، بل كانت من العبيد أو الموالي، ما جعلها وأهلها عرضة لأقسى أنواع العذاب من قبل سادة قريش.

وقد عرف عنها الصبر والتجلد والثبات على العقيدة، إذ كانت من أوائل من جهروا بإيمانهم وتحدّوا آلهة قريش وأظهروا رفضهم لعبادة الأصنام، فكان نصيبها التنكيل والبطش.

موقع أسرة ياسر في المجتمع المكي

تنتمي سمية وزوجها ياسر وابنها عمار إلى طبقة الموالي والعبيد، الذين لم يكن لهم حماية عشائرية تحميهم من بطش السادة، وهذا ما جعل قريش تستسهل تعذيبهم دون أي رادع أو خوف من عواقب قبلية.

وقد أدرك النبي محمد صلى الله عليه وسلم حجم معاناتهم، فكان يمر بهم وهم يعذبون ويقول لهم كلمات خالدة محفوفة بالسكينة والعزاء: “صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة”.

وفي هذا المشهد التربوي العميق، تظهر سمية كرمز للمرأة المسلمة الصابرة، بل كأيقونة دينية صنعت بإيمانها تاريخًا خالدًا، وفتحت بدمها الطاهر باب الشهادة في الإسلام.

استشهاد سمية بنت خياط

في مشهد من مشاهد العنف القاسية التي مارستها قريش، وبقيادة رأس الكفر أبو جهل، كانت سمية بنت خياط تُعذب تعذيبًا شديدًا مع زوجها وابنها، تحت لهيب شمس مكة، بالحجارة والسياط والكلمات الجارحة.

وتروي الروايات الموثوقة أن أبا جهل جاءها يومًا وهي على حالها من الثبات على الإسلام، يحاول أن يُرغمها على سبّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو العودة لعبادة اللات والعزى، لكنها أبت، وواجهته بإيمان راسخ لا يلين. فغضب منها أبو جهل غضبًا شديدًا، فطعنها في فرجها بحربة فماتت على الفور، لتكون أول شهيدة في الإسلام، ولتُخلّد في ذاكرة التاريخ الإيماني بأنها أول من روى شجرة الإسلام بدمه الطاهر.

دلالة استشهاد سمية على المرحلة المكية

تمثل قصة سمية صورة مكثفة لما كان عليه حال المسلمين في بدايات الدعوة. لم تكن الدعوة حينها تحمل أي سلاح مادي، بل كانت مواجهة فكرية وأخلاقية بين عقيدة التوحيد ومنظومة الشرك، بين العدل الإلهي والاستبداد القبلي.

واستشهاد سمية أطلق إشارة البداية لسلسلة طويلة من الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن الدين الجديد، وهو ما ساهم في بناء الأساس الصلب لعقيدة المسلمين: أن الثبات على الحق أثمن من الحياة.

موقع سمية في التراث الإسلامي

سمية رضي الله عنها لم تُنسَ في كتب السيرة والتاريخ، بل خُلد اسمها بين أوائل الصحابيات المجاهدات، وكانت سيرتها تُروى للأجيال الأولى من المسلمين لتكون نبراسًا للثبات.

قال عنها ابن هشام في سيرته: “أول من استشهد في سبيل الله: سمية أم عمار، طعنها أبو جهل بحربة في موضع عفتها فماتت”. كما يذكر ابن سعد في “الطبقات الكبرى” أنها كانت من السابقين الأولين الذين لم يترددوا في إعلان إسلامهم.

مقارنة بين سمية وشهداء آخرين

يمكن أن تُدرج قصة سمية في سياق أوسع من الشهادة في الإسلام، مقارنةً بكبار الشهداء مثل حمزة بن عبدالمطلب في غزوة أحد، أو مصعب بن عمير في ذات المعركة. إلا أن ما يميز سمية أنها استُشهدت وهي لا تحمل سيفًا، ولا كانت في ساحة قتال، بل واجهت القتل في ساحة الصبر والإيمان، في عصر كان فيه الإعلان عن الدين سببًا كافيًا للقتل.

وتأتي هذه المقارنة لتؤكد أن الشهادة في الإسلام لا تتطلب ساحة معركة دائمًا، بل قد تكون في الموقف والثبات على العقيدة، كما في حالة سمية وياسر.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين أوائل الشهداء في الإسلام:

مكانة الشهداء في العقيدة الإسلامية

الشهداء في العقيدة الإسلامية ليسوا مجرد موتى، بل هم أحياء عند ربهم كما جاء في نصوص الكتاب والسنة. وقد خُصّ الشهيد بمنزلة عالية في الجنة، فهو يُغفر له عند أول دفقة من دمه، ويُزوّج من الحور العين، ويُؤمَّن من فتنة القبر، ويرى مقعده من الجنة.

وفي الحديث الشريف: “للشهيد عند الله ست خصال…”، وقد ذُكر منها أنه يُشفَّع في سبعين من أهله. وهذا التقدير الرباني لمرتبة الشهداء يجعل استشهاد سمية بداية مجيدة لهذه الكوكبة العظيمة التي نالت هذا الشرف الإلهي.

رمزية المرأة في صورة الشهيد الأول

أن تكون امرأة هي أول شهيد في الإسلام يضيف بعدًا رمزيًا هامًا في تاريخ الإسلام، إذ يبرهن على أن المرأة المسلمة كانت حاضرة منذ أول يوم في ميادين الجهاد والتضحية، ليس فقط في أدوارها التربوية أو الاجتماعية، بل في قلب الصراع العقائدي.

وإذا كانت سمية قد فتحت باب الشهادة بدمها، فقد لحقت بها كثير من الصحابيات في غزوات النبي ﷺ، وفي سائر مراحل نشر الدعوة، مثل أم عمارة نسيبة بنت كعب، وأسماء بنت يزيد، وغيرهن.

الأثر المستمر لاستشهاد سمية في الوعي الإسلامي

قصة استشهاد سمية تُروى في المناهج التعليمية، وفي الخطب الدينية، وتُستخدم رمزًا للثبات على الدين في أوقات المحن، خصوصًا في المناطق التي تعاني من اضطهاد ديني أو سياسي. كما تمثل رمزًا عالميًا للمرأة الصامدة في وجه الظلم، وتُستلهم من سيرتها مواقف المقاومة السلمية والإيمان بقضية الحق.

خاتمة تحليلية

إن أول شهيد في الإسلام لم يكن فارسًا على صهوة جواد، ولا حامل سيف في ميدان قتال، بل كانت امرأة مستضعفة تحدّت الطغيان بإيمانها، وقابلت الموت بثبات. سمية بنت خياط لم تكن فقط أول شهيدة، بل كانت أول من خطّ بدمه قصة الإسلام، لتبقى حكايتها منارة لكل من يسير في درب الحق. لقد استحقت أن تُسجّل في سجل الخالدين، وتبقى مثالًا خالدًا لمدى قدرة الإنسان المؤمن على الصبر والثبات والتضحية في سبيل المبدأ.

المراجع:

1. ابن هشام، السيرة النبوية، دار المعرفة، بيروت.

2. ابن سعد، الطبقات الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية.